البصمة الوراثية
ما هي البصمة الوراثية ...........
بداية ما هو الـ "DNA"؟
"(DNA)"هي المادة الوراثية الموجودة في خلايا جميع الكائنات الحية"، وهي التي تجعلك مختلفًا، إنها الشيفرة التي تقول لكل جسم من أجسامنا: ماذا ستكون؟! وماذا ستفعل عشرة ترليونات (مليون مليون) من الخلايا؟!.
وطبقًا لما ذكره العالمان: "واطسون" و "جريج" في عام 1953 فإن جزيء الحمض النووي "(DNA)" يتكون من شريطين يلتفان حول بعضهما على هيئة سلم حلزوني، ويحتوي الجزيء على متتابعات من الفوسفات والسكر، ودرجات هذا السلم تتكون من ارتباط أربع قواعد كيميائية تحت اسم أدينينA ، ثايمين T، ستيوزين C، وجوانين G، ويتكون هذا الجزيء في الإنسان من نحو ثلاثة بلايين ونصف بليون قاعدة.
كل مجموعة ما من هذه القواعد تمثل جينًا من المائة ألف جين الموجودة في الإنسان، إذًا فبعملية حسابية بسيطة نجد أن كل مجموعة مكونة من 2.200 قاعدة تحمل جينًا معينًا يمثل سمة مميزة لهذا الشخص، هذه السمة قد تكون لون العين، أو لون الشعر، أو الذكاء، أو الطول، وغيرها (قد تحتاج سمة واحدة إلى مجموعة من الجينات لتمثيلها).
اكتشاف البصمة الوراثية:
لم تُعرَف البصمة الوراثية حتى كان عام 1984 حينما نشر د. "آليك جيفريز" عالم الوراثة بجامعة "ليستر" بلندن بحثًا أوضح فيه أن المادة الوراثية قد تتكرر عدة مرات، وتعيد نفسها في تتابعات عشوائية غير مفهومة.. وواصل أبحاثه حتى توصل بعد عام واحد إلى أن هذه التتابعات مميِّزة لكل فرد، ولا يمكن أن تتشابه بين اثنين إلا في حالات التوائم المتماثلة فقط؛ بل إن احتمال تشابه بصمتين وراثيتين بين شخص وآخر هو واحد في الترليون، مما يجعل التشابه مستحيلاً؛ لأن سكان الأرض لا يتعدون المليارات الستة، وسجل الدكتور "آليك" براءة اكتشافه عام 1985، وأطلق على هذه التتابعات اسم "البصمة الوراثية للإنسان" The DNA Fingerprint" ، وعرفت على أنها "وسيلة من وسائل التعرف على الشخص عن طريق مقارنة مقاطع "(DNA)"، وتُسمَّى في بعض الأحيان الطبعة الوراثية "DNA typing"
كيف تحصل على بصمة وراثية؟
كان د."آليك" أول مَن وضع بذلك تقنية جديدة للحصول على البصمة الوراثية وهي تتلخص في عدة نقاط هي:
1. تُستخرَج عينة الـ"(DNA)" من نسيج الجسم أو سوائله "مثل الشعر، أو الدم، أو الريق".
2. تُقطَع العينة بواسطة إنزيم معين يمكنه قطع شريطي الـ "(DNA)" طوليًّا؛ فيفصل قواعد "الأدينين A"و "الجوانين G" في ناحية، و"الثايمين T" و"السيتوزين C" في ناحية أخرى، ويُسمَّى هذا الإنزيم بالآلة الجينية، أو المقص الجيني
3. تُرتَّب هذه المقاطع باستخدام طريقة تُسمَّى بالتفريغ الكهربائي، وتتكون بذلك حارات طولية من الجزء المنفصل عن الشريط تتوقف طولها على عدد المكررات.
4. تُعرَّض المقاطع إلى فيلم الأشعة السينية "X-ray-film"، وتُطبَع عليه فتظهر على شكل خطوط داكنة اللون ومتوازية.
ورغم أن جزيء الـ"(DNA)" صغير إلى درجة فائقة (حتى إنه لو جمع كل الـ "(DNA)" الذي تحتوي عليه أجساد سكان الأرض لما زاد وزنه عن 36 ملجم) فإن البصمة الوراثية تعتبر كبيرة نسبيًّا وواضحة.
ولم تتوقف أبحاث د."آليك" على هذه التقنية؛ بل قام بدراسة على إحدى العائلات يختبر فيها توريث هذه البصمة، وتبين له أن الأبناء يحملون خطوطًا يجيء نصفها من الأم، والنصف الآخر من الأب، وهي مع بساطتها تختلف من شخص لآخر.
يكفي لاختبار البصمة الوراثية نقطة دم صغيرة؛ بل إن شعرة واحدة إذا سقطت من جسم الشخص المُرَاد، أو لعاب سال من فمه، أو أي شيء من لوازمه؛ فإن هذا كفيل بأن يوضح اختبار البصمة بوضوح كما تقول أبحاث د. "آليك".
قد تمسح إذًا بصمة الأصابع بسهولة، ولكن بصمة الـ "(DNA)" يستحيل مسحها من ورائك، وبمجرد المصافحة قد تنقل الـ "(DNA)" الخاصة بك إلى يد مَن تصافحه.
ولو كانت العينة أصغر من المطلوب، فإنها تدخل اختبارًا آخر، وهو تفاعل إنزيم البوليميريز (PCR)، والذي نستطيع من خلال تطبيقه مضاعفة كمية الـ "(DNA)" في أي عينة، ومما وصلت إليه هذه الأبحاث المتميزة أن البصمة الوراثية لا تتغير من مكان لآخر في جسم الإنسان؛ فهي ثابتة بغض النظر عن نوع النسيج؛ فالبصمة الوراثية التي في العين تجد مثيلاتها في الكبد.. والقلب.. والشعر.
وبذلك دخل د."آليك جيوفريز" التاريخ، وكانت أبحاثه من أسرع الاكتشافات تطبيقًا في كثير من المجالات.
العلم في دهاليز المحاكم:
في البداية.. استخدم اختبار البصمة الوراثية في مجال الطب، وفصل في دراسة الأمراض الجينية وعمليات زرع الأنسجة، وغيرها، ولكنه سرعان ما دخل في عالم "الطب الشرعي" وقفز به قفزة هائلة؛ حيث تعرف على الجثث المشوهة، وتتبع الأطفال المفقودين، وأخرجت المحاكم البريطانية ملفات الجرائم التي قُيِّدَت ضد مجهول، وفُتِحَت التحقيقات فيها من جديد، وبرَّأت البصمة الوراثية مئات الأشخاص من جرائم القتل والاغتصاب، وأدانت آخرين، وكانت لها الكلمة الفاصلة في قضايا الأنساب، وواحدة من أشهر الجرائم التي ارتبط اسمها بالبصمة الوراثية هي قضية د." سام شبرد" الذي أُدِين بقتل زوجته ضربًا حتى الموت في عام 1955 أمام محكمي أوهايو بالولايات المتحدة، وكانت هذه القضية هي فكرة المسلسل المشهور "الهارب" The Fugitive في عام 1984.
في فترة وجيزة تحولت القضية إلى قضية رأي عام، وأُذِيعَت المحاكمة عبر الراديو وسُمِحَ لجميع وكالات الأنباء بالحضور، ولم يكن هناك بيت في هذه الولاية إلا ويطالب بالقصاص، ووسط هذا الضغط الإعلامي أُغلِقَ ملف كان يذكر احتمالية وجود شخص ثالث وُجِدَت آثار دمائه على سرير المجني عليها في أثناء مقاومته، قضي د."سام" في السجن عشر سنوات، ثم أُعِيدَت محاكمته عام 1965، وحصل على براءته التي لم يقتنع بها الكثيرون حتى كان أغسطس عام 1993، حينما طلب الابن الأوحد لـ"د. سام شبرد" فتح القضية من جديد وتطبيق اختبار البصمة الوراثية.
أمرت المحكمة في مارس 1998 بأخذ عينة من جثة "شبرد"، وأثبت الطب الشرعي أن الدماء التي وُجِدَت على سرير المجني عليها ليست دماء "سام شبرد"، بل دماء صديق العائلة، وأدانته البصمة الوراثية، وأُسدِلَ الستار على واحدة من أطول محاكمات التاريخ في يناير 2000 بعدما حددت البصمة الوراثية كلمتها
البصمة الوراثية وقضايا النسب الشرعي
النسب: التعريف والثبوت
أولاً - تعريفات هامة:
أ - تعريف البصمة الوراثية:
في المؤتمر الذي عقدته المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية بعنوان: "مدى حُجِّية البصمة الوراثية في إثبات البنوة"؛ أكدت أوراق المؤتمر الذي شارك فيه عدد من أبرز العلماء والأطباء المتخصصين في هذا المجال أن كل إنسان يتفرد بنمط خاص في ترتيب جيناته ضمن كل خلية من خلايا جسده، ولا يشاركه فيها أي إنسان آخر في العالم، وهو ما يعرف بـ "البصمة الوراثية". وأكد أحد الباحثين أن هذه البصمة تتضمن البنية التفصيلية التي تدل على كل شخص بعينه، ولا تكاد تخطئ في التحقق من الوالدية البيولوجية، فضلاً عن تعرّف الشخصية وإثباتها.
ب - تعريف النسب:
النسب في اللغة يطلق على معان عدة؛ أهمها: القرابة والالتحاق. تقول: فلان يناسب فلانًا فهو نسيبه، أي قريبة. ويقال: نسبه في بني فلان، أي قرابته، فهو منهم. وتقول: انتسب إلى أبيه أي التحق. ويقال: نسب الشيء إلى فلان، أي عزاه إليه. وقيل: إن القرابة في النسب لا تكون إلا للآباء خاصة.
وتنحصر أسباب النسب في الإسلام في أصلين؛ هما: النكاح، والاستيلاد، لقوله
تعالى:﴿وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ﴾ [سورة النساء، الآية: 23]، فدل على أن الابن لا يكون ابنًا إلا أن يكون من الصلب، مع قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ @ إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ @ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ﴾ [سورة المؤمنون، الآيات: 5- 7]، مما دل على تحريم العلاقة الخاصة مع النساء إلا في إطار هذين المذكورين، وأي نتاج بغيرهما لا يعتد به من جهة الرجل. أما من جهة المرأة فينسب إليها كل ما تلده، لأنه يجري على قاعدة الآية: ﴿أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ﴾ [سورة النساء، الآية: 23]، وأيضًا قوله تعالى: ﴿إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلا اللائِي وَلَدْنَهُمْ﴾ [سورة المجادلة، الآية: 2].
ثانياً - أدلة ثبوت النسب في الفقه الإسلامي:
النسب المستقر هو النسب الثابت بأحد أدلة ثبوته في الفقه الإسلامي، وأهمها: الفراش والبينة والإقرار والقيافة، ولكل من هذه الأدلة شروط مبسوطة في كتب الفروع، وأهم تلك الشروط ألا تخالف دليل العقل أو الشرع. فلو كان الزوج صغيرًا ابن سبع سنين، وأتت زوجته بولد فلا عبرة للفراش، وإذا أقرّ شخص بأن فلانًا ابنه وهو يقاربه في السن لا يقبل الإقرار.. وهكذا.
وإذا استقر النسب التحق المنسب بقرابته وتعلقت به سائر الأحكام الشرعية المرتبطة بهذا النسب، من تحديد المحارم، والأرحام، والولاية، والعقل، والإرث، والنفقة وغير ذلك. فكان استقرار النسب استقرارًا للمعاملات في المجتمع، ولذلك حصّنه الإسلام بما يمنع العبث به، فقال النبي r : { الْوَلاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ، النَّسَبِ لا يُبَاعُ، وَلا يُوهَبُ }.
ثالثاً - فض النزاع وحسم النسب آراء مذهبية:
الأصل في الطبيعة السوية عدم التنازع في النسب لخصوصية العلاقات الأسرية، ولكن قد تضطرّنا الظروف إلى مثل هذا النوع من النزاع.
ومن أسباب هذا النزاع: وجود التهمة القائمة على أساس ظاهري، ومن أمثلة ذلك: التهمة في نسب أسامة من أبيه زيد بن حارثة، لسواد بشرة الابن وبياض بشرة الأب. وكذلك اللقيط، إذا ادّعى نسبه رجلان فأكثر. ومنه: اختلاط المولودين في المستشفيات، ومنه: الوطء بشبهة من رجلين لامرأة واحدة فحملت من أحدهما لا بعينه. ومنه: تعارض بينتين متساويتين على ثبوت النسب أو نفيه. في مثل هذه الحال: كيف يمكن لنا فض النزاع وحسم النسب.. ولا دليل مرجح؟
ومن محاور الدراسة:
رأي المجمع الفقهي الاسلامي في استخدام البصمة الوراثية المنعقد بمكة المكرمة في الفترة من 21-26/10/1422هــ
اصدر المجلس عددا من التوصيات والقرارات التي تنظم شرعيا عملية الاخذ بالحمض النووي الوراثي كدليل مادي في القضايا الجنائية، وقضايا البنوة، والتي يجد الكثير من القضاة نوعا من الحرج في استخدام هذا الحمض النووي الوراثي كدليل يترتب عليه حكم شرعي في القضايا الجنائية، وبعض قضايا البنوة لعدم وجود إجماع فقهي على مشروعية استخدام الحمض النووي الوراثي في القضايا الجنائية، وقضايا النسب المتنازع فيها.
وفيما يلي نستعرض نص هذه القرارات والتي صدرت في اختتام أعمال الدورة على النحو التالي :
القرار السابع: بشأن البصمة الوراثية ومجالات الاستفاة منها .
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد :
فان مجلس الفقه الإسلامي في دورته السادسة عشرة المنعقدة بمكة المكرمة في المدة من21-26/10/1422هــ الذي يوافقه 5-10/1/2002م ، وبعد النظر إلى التعريف الذي سبق للمجمع اعتماده في دورته الخامسة عشرة .. ونصه:
((البصمة الوراثية هي البنية الجينية - نسبة إلى الجينات ،أي المورثات - التي تدل على هوية كل إنسان بعينه ، وأفادت البحوث والدراسات العلمية إنها من الناحية العلمية وسيلة تمتاز بالدقة، لتسهيل مهمة الطب الشرعي .
ويمكن أخذها من أي خلية (بشرية) من الدم أو اللعاب أو المني أو البول أو غيره .)).
وبعد الاطلاع على ما اشتمل عليه تقرير اللجنة التي كلفها المجمع في الدورة الخامسة عشرة بإعداده من خلال إجراء دراسة ميدانية مستـفيضة للبصمة الوراثية، والاطلاع على البحوث التي قدمت الموضوع من الفقهاء والأطباء والخبراء، والاستماع إلى المناقشات التي دارت حوله ، تبين من ذلك كله أن نتائج البصمة الوراثية تكاد تكون قطعية في إثبات نسبة الأولاد إلى الوالدين أو نفيهم عنهما، وفي إسناد العينة (من الدم أو المني أو اللعاب) التي توجد في مسرح الحادث إلى صاحبها، فهي أقوى بكثير من القيافة العادية (التي هي إثبات النسب بوجود الشبه الجسماني بين الأصل والفرع)، وإن الخطأ في البصمة الوراثية ليس واردا من حيث هي ، وإنما الخطأ في الجهد البشري أو عوامل التلوث ونحو ذلك .
وبناءا على ما سبق قرر ما يلي :
أولا: لا مانع شرعا من الاعتماد على البصمة الوراثية في التحقيق الجنائي واعتبارها وسيلة إثبات في الجرائم التي ليس فيها حد شرعي ولا قصاص لخبر (إدرؤا الحدود بالشبهات)، وذلك يحقق العدالة والأمن للمجتمع، ويؤدي إلى نيل المجرم عقابه وتبرئة المتهم، وهذا مقصد مهم من مقاصد الشريعة .
ثانيا : إن استعمال البصمة الوراثية في مجال النسب لابد أن يحاط بمنتهى الحذر والحيطة والسرية ولذلك لابد أن تقدم النصوص والقواعد الشرعية على البصمة الوراثية .
ثالثا : لا يجوز شرعا الاعتماد على البصمة الوراثية في نفي النسب ولا يجوز تقديمها على اللعان بسورة النور.
رابعا : لا يجوز استخدام البصمة الوراثية بقصد التأكد من صحة الأنساب الثابتة شرعا ويجب على الجهات المختصة منعه وفرض العقوبات الزاجرة، لأن في ذلك المنع حماية لأعراض الناس وصونا لأنسابهم .
خامسا : يجوز الاعتماد على البصمة الوراثية في مجال إثبات النسب في الحالات الآتية :
أ – حالات التنازع على مجهول النسب بمختلف صور التنازع التي ذكرها الفقهاء سواءا كان التنازع على مجهول النسب بسبب انتفاء الأدلة أو تساويها ، أم كان بسب الاشتراك في وطء الشبهة ونحوه.
ب – حالات الاشتباه في المواليد في المستشفيات، ومراكز رعاية الأطفال ونحوها وكذا الاشتباه في أطفال الأنابيب.
جـ - حالات ضياع الأطفال واختلاطهم ، بسبب الحوادث أو الكوارث أو الحروب وتعذر معرفة أهلهم، أو وجود جثث لم يمكن التعرف على هويتها ، أو بقصد التحقق من هويات أسرى الحروب والمفقودين.
سادسا : لا يجوز بيع الجينوم البشري لجنس أو لشعب أو لفرد ، لأي غرض، كما لا تجوز هبتها لأي جهة لما يترتب على بيعها أو هبتها من مفاسد.
سابعا : يوصي المجمع الفقهي بما يأتي :
أ - إن تمنع الدولة إجراء الفحص الخاص بالبصمة الوراثية إلا بطلب من القضاء وان يكون في مختبرات للجهات المختصة، وان تمنع القطاع الخاص الهادف للربح من مزاولة هذا الفحص، لما يترتب على ذلك من المخاطر الكبرى .
ب – تكوين لجنة خاصة بالبصمة الوراثية في كل دولة، يشترك فيها المتخصصون الشرعيون والأطباء والإداريون وتكون مهمتها الأشراف على نتائج البصمة الوراثية واعتماد نتائجها .
جـ - إن توضع آلية دقيقة لمنع الانتحال والغش، ومنع التلوث وكل ما يتعلق بالجهد البشري في حقل مختبرات البصمة الوراثية، حتى تكون النتائج مطابقة للواقع، وأن يتم التأكد من دقة المختبرات، وان يكون عدد المورثات (الجينات المستعملة للفحص) بالقدر الذي يراه المختصون ضروريا دفعا للشك.
والله ولي التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد.
الفقه.. ولم يكن هناك أعلى صوتاً من إشكالية إثبات النسب خلال الحقبة الحالية.
كيف يثبت نسب الإنسان؟ ما هي جذور الرؤية الفقهية في عملية الإثبات؟ وكيف تتنوع؟ ماذا يعني الفراش وما المقصود بالإقرار؟ وعبر طرق عدة سارت أحداث التاريخ من تقلبات الدليل وحداثته إلى أن وصلت تلك الطرق إلى ما نطلق عليه الـ DNA أو ما يمكن أن نقربه إلى القارئ بالقول إنه (مقارنة المقاطع
كيفية إثبات النسب
تحدث الدكتور كمال الحوت الحسيني في كتابه المعنون «جامع الدرر البهية لأنساب القرشيين في البلاد الشامية» عن كيفية ثبوت النسب، يثبت النسب عند الفقهاء والنسابة بأحد الأدلة التالية:
v الطريقة الأولى:
الفِرَاش لحديث النبي r:{الولدُ للفِرَاشِ وللعَاهِرِ الحَجَرُ}.
v الطريقة الثانية:
البينة بأن تقوم عندهم البينة الشرعية وهي شهادة رجلين مسلمين عاقلين عدلين تُعرف عدالتهما بخبرة أو تزكية، فحينئذ يُعمل بقولهما. ولشهادة العدلين هنا حالات ثلاث وهي:
· الحالة الأولى: أن يشهدا أن هذا الولد هو ابن فلان،
· أو الحالة الثانية: يشهدان بأن الولد ولد على فراش فلان،
· أو الحالة الثالثة: أن يشهدا بأن الولد يُعرف بين الناس بأنه ولد فلان.
v الطريقة الثالثة:
الإقرار وهو أن يعترف الزوج في مجلس الحكم أو خارجه بأن الولد الفلانيَّ ابنه.
v الطريقة الرابعة:
الشهرة والاستفاضة. ومعنى الشهرة أن تتداول الأخبار من جماعة يمتنع اتفاقهم على الكذب عادة بأن فلانًا هو ابن فلان. قال الإمام أبو حنيفة رضي الله عنه: {يثبت بالشهرة النسب والموت والنكاح}.
v الطريقة الخامسة:
زاد النسابة أمرًا على ما قَدَّمنا وهو أن يرى خط أحد النسابين المعتبرين ويكون موثوقًا به ويعرف خطه ويتحققه، فإذا شهد خط النسابة مشى وعمل به.
v الطريقة السادسة:
أن يأتي المنتسب بأسماء آبائه وأجداده مع البينة التاريخية وهي شهادة المشهورين من العلماء أو الحكام الثقات بصحة نسبته موقعين أو خاتمين فإن وجدوه صحيحًا وقعوا عليه وشهدوا بصحته.
v الطريقة السابعة:
القيافة وهي تعتبر شرعا في بعض المواضع، وإن كانت لا توجب سوى الظن وقد فصل الفقهاء في ذلك أشد التفصيل، ومن أراد التثبت فليرجع لأمهات الكتب الفقهية. وقد ذكرها النبي r في قصة لعان هلال ابن أمية مع امرأته، وقضى النبي r بالفرقة بينهما وكان ذلك بعد أن قال : (( إن جاء الولد على صفة كذا فهو لهلال ، وإن جاءت به على صفة كذا ، فهو لشريك ابن سمحاء)) ، فجاءت به على الصفة المكروهة فقال النبي r {لَوْلا مَا مَضَى مِنْ كِتَابِ اللَّهِ لَكَانَ لِي وَلَهَا شَأْنٌ}
التشريع الإسلامي يتشوف إلى إثبات نسب الولد من أبيه، ويتوسع في هذا الإثبات ويتسامح فيه، بحيث انه يقبل الشهادة فيه على التسامع، ولا يطلب دليلا عليه عند الإقرار ما دام واقع الحال لا ينافيه، وذلك لما فيه من أحياء للنفس، لأن مغمور النسب في حكم الميت في عرف المجتمع الإسلامي إلا أن الشارع الإسلامي حرص حرصا شديدا على نظافة النسب ونقائه وصدقه، وحذر من التلاعب والتزوير فيه، وتوعد المتلاعبين بالنسب بأشد العذاب.
قال رسول الله r: { مَنِ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ وَهُوَ يَعْلَمُ فَالْجَنَّةُ عَلَيْهِ حَرَامٌ }.
عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه انه سمع رسول الله r يقول حين نزلت آية الملاعنة: {أَيُّمَا امْرَأَةٍ أَدْخَلَتْ عَلَى قَوْمٍ رَجُلا لَيْسَ مِنْهُمْ فَلَيْسَتْ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ وَلا يُدْخِلُهَا اللَّهُ جَنَّتَهُ، وَأَيُّمَا رَجُلٍ جَحَدَ وَلَدَهُ وَهُوَ يَنْظُرُ إِلَيْهِ احْتَجَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْهُ وَفَضَحَهُ عَلَى رُءُوسِ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}
وقد تباينت آراء العلماء بشأن جواز استخدام تحليل البصمة الوراثية "(DNA)" في إثبات ولد الزنا، فبينما لا يجيزه العلامة الدكتور يوسف القرضاوي ومفتي مصر الدكتور علي جمعة، ويقصرانه على الحالات الأسرية الشرعية، يرى فريق من علماء الأزهر جواز الاستعانة به، معتبرين أنه سيقلل من جرائم الزنا. وفيما يلي آراء العلماء في هذه القضية:
الدكتور يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين:
إن البصمة الوراثية لا يثبت بها النسب في حالة الزنا؛ وذلك لأن الشرع وإن كان يتشوف لإثبات النسب، فإنه في ذات الوقت يرى أن الستر مقصد هام تقوم عليه الحياة الاجتماعية؛ لئلا تشيع الفاحشة في الذين آمنوا، ودليله ما قاله النبي r لمن دفع ماعز بن مالك من الإقرار بالزنا «هلا سترته بطرف ثوبك».
وهذا مبني على أن الشرع يقر بأن «الولد للفراش»، فالأصل في إثبات النسب هو فراش الزوجية، كما أن الشرع تشدد في جريمة الزنا، واشترط لها أربعة شهود، فكل وسيلة غير شهود الأربعة بقيام رجل وامرأة بعملية الزنا الحقيقي، فلا قيمة له، ولا يتم به إثبات نسب.
كما أن الشرع لا يعاقب على جريمة الزنا وإنما يعاقب على الاستهتار والمجاهرة بها، حتى يرى الشخص 4 من الناس جهارًا نهارًا عيانًا بيانًا يقوم بإتيان تلك الكبيرة، أما فعلها في الخفاء، فيكفي فيه الستر.
ومن القواعد الفقهية في تلك المسألة أن الحدود تدرأ بالشبهات، وما لم نكن على يقين من القيام بالزنا، فلا يحكم به، وبالتالي لا يعتد بالبصمة الوراثية في إثبات النسب، إلا إذا نفى الرجل والمرأة تريد إثباته، وهي متأكدة من براءتها، هنا يمكن الأخذ بالرأي؛ لإزالة الشك من قلب الرجل، ولتبرئة المرأة مما اتهمت به.
فإذا رأى رجل امرأته مع آخر، فليس من المعقول مطالبته بأربعة شهود كي يتهم زوجته بالزنا، ونفي ولدها منه، أو أن يتهمها زورًا وبهتانًا، وهنا يجب على القضاء أن يأخذ بالبصمة الوراثية لأمرين:
· الأول: إثبات براءة المرأة مما وُجّه إليها من تهمة.
· الثاني: إثبات نسبة الولد لأبيه، حتى لا يقع الولد في مشكلات مستقبلية.
فإذا رفض الزوج القيام بالبصمة الوراثية، فيُعَدّ هذا دليلاً ضده وليس له، ويكون من حق القاضي أن يفعله رغمًا عن الزوج.
كما أنه لا يجوز اعتبار البصمة الوراثية في إقامة الحدود؛ وذلك لأن إقامة الحد مشروطة برؤية 4 شهود بقيام الزنا حقيقة، بل إن الشرع يحتاط في إقامة الحدود ما لا يحتاط في غيره، وأن قيام 3 بالشهود ونفي الرابع يوجب إقامة حد القذف عليهم.
أما عن أخذ بصمة الزوجين قبل الزواج وتسجيلها في الدوائر الحكومية، حتى يتم معرفة نسب المولود فيما بعد من خلال البصمة، فإن هذا يتم اختيارًا، ولا يجوز إجبار الناس عليه. وأن الدعوة لتسجيل بصمة الوالدين ينافي ما قرره الشرع من مبدأ الستر.
رأي الدكتور علي جمعة مفتي مصر:
الذي عليه الفقه الإسلامي هو أن النسب من قبل الأم يثبت بالطبع، فالولد يصبح ابنًا لهذه السيدة بالميلاد، ولكنه يثبت بين الابن وبين أبيه بالشرع وليس بالطبع، وهذا شبه متفق عليه في الفقه الإسلامي عبر العصور؛ ولذلك فإن التسرع في إثبات النسب لابن الزنا نراه غير سليم، وهذا لا علاقة له باستعمال تحليل الـ "(DNA)" ، حيث إن استعمال هذا التحليل يؤدي إلى أمور يمكن أن تعتمد شرعًا وليس مع الإقرار بالزنا، وإنما لفصل خصومات أخرى غير قضية أن تندرج هذه التحاليل تحت الإقرار بالزنا، ومعنى الكلام أن معنا صورًا كثيرة ومتعددة في هذا المقام:
F الصورة الأولى: هي صورة رجل وامرأة اعترف كل منهما بالزنا وفي هذه الحالة فإن القاضي لا يستطيع شرعًا أن يثبت نسب الولد لذلك الرجل سواء اعترف ذلك الرجل بأن هذا الطفل منه أو لم يعترف.
والصورة الثانية هو أن رجلاً وامرأة ليس بينهما مانع شرعي جاءا إلى القاضي وطلبا منه أن ينسب طفلاً ما إليهما، فإن القاضي له أن ينسب الطفل إليهما دون أن يفتش عن وجود عقد زواج صحيح أو فاسد أو وطء شبهة وهي الأمور التي يثبت بها النسب في الشريعة الإسلامية بين الطفل والرجل.. بل إنه يصدق إقرارهما، والفرق بين هذه الصورة والصورة التي قبلها، أنه في الصورة الأولى قد أقرا معًا بالزنا،
F الصورة الثانية قد سكتا، وأراد أن يلحقا بهما طفلاً، وهنا فلا بد للقاضي أن يلحق هذا الطفل وكأنه قد افترض أنه قد جاء بعد عقد صحيح أو عقد فاسد أو وطء شبهة.
F الصورة الثالثة: أن يأتي شخص ويعترف بأن هذا الطفل منه من هذه المرأة الماثلة أمام القاضي، ثم يتبين للقاضي أن بينهما محرمية تحرم الزواج أيضًا، وهو الحاصل فيما يسمى بزنا المحارم، فقد يكون ذلك الشخص أباها أو أخاها أو عمها أو نحو ذلك، فيرفض القاضي؛ لأنه أصبح متيقنًا من الذي حدث إنما هو من قبيل الزنا، إلا في حالة واحدة فقط، وهو الدعوة منهما أن ذلك كان عن وطء شبهة بأن لم يكن يعرف، ولا تعرف هي علاقة المحرمية المانعة من الزواج، وكل هذه الصور لا تحتاج أصلاً إلى الـ "(DNA)"
F الصورة الرابعة: هي أن تأتي امرأة فتدعي أمام القاضي أن رجلاً ما قد تزوجها زواجًا صحيحًا ولا تستطيع أن تثبت ذلك الزواج الصحيح الذي تم بأركانه، وشروطه الشرعية -كما تدعي- حيث إن الشهود قد غابوا بسفر أو موت أو نحو ذلك، ولكن الرجل ينكر ويدعي أنه لا يعرف هذه المرأة ولم يقربها، وفي هذه الحالة والتي هي أساسًا حالة دعوى زوجية تثبتها المرأة وينكرها الرجل يجوز استعمال الـ "(DNA)" -في رأينا- حيث إن هذا سيثبت أمورًا:
1 - خطأ إنكار الرجل إذا أثبت التحليل أن هذا الطفل منه.
2 - هي قرينة لصدق المرأة في دعوى الزوجية، ودعوى المعاشرة، ودعوى أن الذي كان بينها وبين هذا الرجل لم يكن زنا.. بل كان زواجاً؛ لأننا لو سلكنا مسلك تصديق الرجل لوصفنا ما كان بينهما بأنه زنا، ولأضعنا الولد، ولو أننا سلكنا مسلك تصديق المرأة لافترضنا تصحيح العلاقة بينهما طبقاً لقولها وحمينا ضياع الولد، وهذه الحالة تخوف الناس، خاصة الرجال من الزنا؛ لأنه لا يضمن أن تحمل المزني بها منه، ثم تدعي الزوجية والتي سيتحقق منها القاضي بهذه الطريقة، وعليه فالقول باستعمال تحليل الـ "(DNA)" في هذه الحالة يدرأ الزنا ويمنع الأشرار منه.
F الصورة الخامسة: أن يقر الرجل والمرأة معًا ببنوة الطفل، فيأتي آخر كالولي، أو الوارث يعني من يأمل أن يكون وارثًا، ويطعن في نسب ذلك الطفل إليهما، وقطعًا للظنون والشبهات نلجأ إلى تحليل الـ "(DNA)" حتى نقطع على المدعي الخارجي دعواه.
وفوق ذلك فإن الـ "(DNA)" باتفاق الفقهاء يستعمل إذا ما اختلط الأطفال في مستشفى مثلاً، أو بعد الكوارث الطبيعية أو بعد الحروب، وحدث تنازع بين الأسر، أو احتياج إلى معرفة آباء هؤلاء الأطفال وأسرهم، ونحو ذلك.
وهذا كله على شرط أن يصل تحليل الـ"(DNA)" من ناحية الطبع، ومن ناحية الفاحصين، ومن ناحية الآلات المستعملة، ومن ناحية كتابة التقارير، ومن ناحية حصل الطفرة، وبنك البصمة في بلد ما إلى حد يقين إثباتًا ونسبًا، فإذا لم تصل لحد اليقين إثباتًا ونفيًا فإذا لم تصل لحد اليقين فلا يجوز الاعتماد عليها إلا بقدر ما يراه القاضي قرينة ظنية.
ورأينا الذي قدمناه من عدم اعتماد الزنا، ومن اعتماد الـ"(DNA)" ليكون أحد القرائن التي تثبت الزوجية المدعاة هو رأي جديد، واجتهاد نرجو من الله أن يكون صحيحًا، فإن كان كذلك فنسأله الأجر والثواب، وإذا كان غير ذلك فهذا مبلغ علمنا ووسع طاقتنا.
أما القول بعدم الأخذ بتحليل الـ "(DNA)" في إثبات نسب ولد الزنا هو من الفقه القديم ولا يتفق مع العصر ولا يحقق مبدأ الستر، فإن الرد عليه من جهتين: الجهة الأولى أن الزنا غير معتبر، وأيضًا زنا المحارم لا نستطيع أن نحل فيه المشكلة، فماذا لو زنا الأب أو الأخ بالبنت؟، فنحن الآن إذا اعترفنا بنسب ولد الزنا سنكون أمام حالة سنفرق فيها بين الناس، فالزنا بين الرجل والأجنبية غير معتمد وحرام، والزنا بين الأب والبنت، والأخ وأخته غير معتمد وحرام، فهل يعقل أن نقول في الأولى نثبت النسب، وفي الثانية لا نثبت النسب؟! وإذا أردنا أن نثبت النسب لكل زان فإننا سنرفع نظام القرابة وهو أول معول في القضاء على الاجتماع البشري.. إذن عندما لا أعتمد الزنا أنا لا أرتكب جريمة.. بل على العكس فأنا أحافظ على الاجتماع البشري.
والجهة الأخرى هي صورة اللقيط مجهول الأب والأم أصلاً، فماذا نفعل فيه، وإلى أي شيء ننسبه، فإذن مشكلات الطفل الذي جاء خارج الاعتماد الشرعي لها صور كثيرة لن تحل كلها، ونحن نحاول أن نحلها بقدر المستطاع -كما قدمنا-، إذن فكلامنا واجتهادنا الجديد يراعي طائفة كبيرة جدًّا، ويحاول أن يقي المجتمع من الزنا، وفي نفس الوقت لا يخرج عن الفقه الموروث، ولا يخرج أيضًا عن العدالة والمساواة، وهي أمور لازمة لتحقيق الإنصاف بين الناس.
رأي الدكتور محمد رأفت عثمان عضو مجمع البحوث الإسلامية:
ولد الزنا إما أن يكون نتيجة زنا من امرأة متزوجة، وإما أن يكون من امرأة غير متزوجة، فإذا كان ولد الزنا من امرأة متزوجة فلا يجوز بإجماع العلماء أن يدعيه الزاني ويطالب بإلحاق نسبه به للقاعدة التي بينها رسول الله r ، وهي قوله الشريف : {الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ}.
أما إذا كان ولد الزنا نتيجة زنا من امرأة ليست متزوجة فهنا لم يجمع العلماء على رأي معين، وإنما كانوا مختلفين على رأيين: الأول أن الحكم هنا أيضًا كالحكم في ولد الزنا من امرأة متزوجة أي لا يجوز أن ينسب للزاني، ولأنه لا يوجد زوج فإنه ينسب إلى أمه وهذا ما يراه جمهور الفقهاء، والرأي الثاني فيقول بجواز أن ينسب ولد الزنا من المرأة غير المتزوجة إلى الزاني، وقد قال بذلك مجموعة من كبار الفقهاء منهم ابن تيمية وابن القيم.
والرأي الذي أميل إليه هو الرأي الأخير وقد دافع ابن القيم عن هذا الرأي، وقال إنه ليس مع الجمهور إلا حديث الولد للفراش، ولا يوجد فراش في حالة المرأة غير المتزوجة، وعلى هذا فإذا جاءت امرأة ورجل وقالا عن ولد إنه ولدهما فإنه يجوز هنا أن ينسب للرجل، وفي العصر الذي نعيش فيه يمكن اللجوء للبصمة الوراثية في هذه الحالة.
أما بالنسبة للحدود، فالحد هنا لا بد أن يقام لإقرارهما فالإقرار هو إحدى وسائل الإثبات، دلّ على ذلك القرآن الكريم وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، فإذا ادعت امرأة أن ولدها من الزنا من رجل معين وأثبت الاختبار الوراثي أنه ولده فيجب عليهما الحد، والبصمة الوراثية هنا تثبت بها حد الزنا.
مع قاعدة الستر
وكون الأخذ بالبصمة الوراثية ينافي قاعدة الستر، فهذا أمر غير صحيح، حيث إن إثبات نسب ولد الزنا بتحليل الـ"(DNA)" يطبق قاعدة الستر، حيث إن الستر في نسبة الولد لأبيه وليس في عدم نسبته، فعدم النسبة لأبيه سيؤدي إلى أن الولد سيظل معروفًا بأنه ليس من أب شرعي وتعير بهما أسرتهما.. بل إن نسبة ولد الزنا لأمه هو فضح دائم وضرورة أكبر تتطلب إثبات الولد لأبيه.الدكتور عبد المعطي بيومي عضو مجمع البحوث الإسلامية يؤكد قائلاً:إنه في جانب الزاني إذا كان قول الجمهور إن ماء الزنا هدر، فإنني أرى الأخذ ببعض المحققين منهم الحسن وابن سيرين وعروة والإمام أبي حنيفة، حيث كانوا يرون إذا أقيم الحد ثبت النسب، والحد لا يقام إلا ببينة، فإذا كانت البينة تثبت بالـ "(DNA)" وهي مضمونة كما قال العلماء بأكثر من 99.5% فلا نتجاهل كلام هؤلاء المحققين، ونقول إن ماء الزنا هدر فهذا تجاهل لمصالح المسلمين وما قام الشرع إلا لتحقيق هذه المصالح، وحيث تكون المصلحة فثمّ شرع الله، خاصة أن لدينا في مصر 14 ألف قضية نسب ضاعت وثائق الزواج، ويمكن بتحليل الـ "(DNA)" أن تحل. ولا بد من التأكيد على أن القول بإثبات النسب بالبصمة الوراثية خاصة لولد الزنا سيؤدي إلى التقليل من الزنا، فإذا عرف الزاني أنه سيتحمل نتيجة جريمته فسيفكر ألف مرة في أن يرتكب الفاحشة إذا عرف أنه إذا أنكر نسب ولده سيعمل فيه تحليل الـ "(DNA)"، أو أن المرأة إذا حملت حملاً من غير زوجها فينكره ويلجأ للتحليل فلن تقدم على الجريمة وستنضبط الأمور.
وليس معنى أن الجمهور قالوا إن ماء الزنا هدر أن رأي الجمهور هو الصحيح فقد يكون الرأي صحيحًا في عصر وغير صحيح في عصر آخر؛ نظرًا لاختلاف الدواعي، وفي عصرنا هذا حيث فقدت كثير من الضمائر رقابتها ورعايتها لله فإن كثيرًا من الذين يتزوجون عرفيًّا يستولون على ورقة الزواج ويعدمونها، ثم لا يعترفون بأبنائهم، فيحكم القضاء بأنه زنا، ولا ينسب الطفل؛ لأن القاضي ليست أمامه أوراق، فليس الأمر الآن كما كان في الماضي من يتزوج ثم ينكر الزواج، وأزواج يهربون ويتركون زوجاتهم.
والقول بهذا التحليل إنما لإثبات النسب في حالة الزنا، وليس لإثبات الحد؛ لأن نظرة الشرع للنسب تختلف عن نظرته لإقامة الحد فالشرع يثبت النسب لأدنى ملابسة، وهو يتشوف لذلك، أما الحد فإن الشرع يسقطه لوجود أي شبهة، فإذا كنا نقول 99.5% هي نسبة صحة تحليل الـ "(DNA)" فإننا نثبت بهذه النسبة النسب؛ لأنه يثبت بأدنى قرينة وكانوا في الماضي يثبتونه بالقيافة، أما النصف في المائة من عدم التأكد فيعتبر الشبهة التي تسقط بها الحد، ومع ذلك لا بد أن تكون هناك عقوبة تعذير يقررها القاضي.
وهذا الكلام يعتمد على أنه في الحقوق يجب البحث عن الإثبات، وفي الحدود يجب البحث عن الإسقاط، كما أن أبا حنيفة قال يحسن أن يتزوج الزاني بالزانية وهي حامل ويثبت النسب ويستر على نفسه وعليها، والواقع أن المرأة تلجأ للقضاء لإثبات النسب لشخص تحت ادعاء أنه تزوجها عرفيًّا وأخذ ما يثبت ذلك وهرب، أما إذا قالت إن شخصًا زنا بها فحملت وأنجبت هذا الطفل أقيم عليها الحد باعترافها، ولا يقام على الرجل لشبهة عدم صحة النصف في المائة في تحليل الـ"(DNA)" ما لم يعترف بذلك بعد التحليل.
ومؤخراً أيّد الدكتور علي جمعة مفتي مصر فتوى العلامة الدكتور يوسف القرضاوي في رفض إثبات نسب ولد الزنا عن طريق تحليل البصمة الوراثية، لكن علماء بالأزهر أجازوه، معتبرين أنه سيقلل من جرائم الزنا.
وأوضح الدكتور علي جمعة أن «علماء الفقه الإسلامي اتفقوا على إثبات النسب للأم بالميلاد، أما بالنسبة للأب فلا بد أن يتم ذلك عن طريق الوسائل الشرعية وليس بغيرها».
وقال: «لذا نعتبر إثبات النسب لابن الزنا غير سليم، وهذا لا علاقة له باستعمال تحليل البصمة الوراثية "(DNA)" ».
تقليل جرائم الزنا
لكن بعض علماء الأزهر أجازوا استخدام تحليل البصمة الوراثية في إثبات ولد الزنا. وقال الدكتور عبد المعطي بيومي عضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر: «إن القول بأن ماء الزنا هدر - أي ما ينتج عنه غير معترف به- فيه تجاهل لمصالح المسلمين، وما قام الشرع إلا لتحقيق هذه المصالح». ولفت إلى وجود 14 ألف قضية نسب في مصر ضاعت فيها وثائق الزواج، ويمكن إثباتها بتحليل البصمة الوراثية.
وأكد الدكتور بيومي أن إثبات النسب بالبصمة الوراثية، خاصة لولد الزنا سيؤدي إلى التقليل من جرائم الزنا؛ لأن الزاني إذا أدرك أنه سيتحمل عاقبة جريمته فسيفكر ألف مرة قبل ارتكاب الفاحشة، وكذلك الحال بالنسبة للمرأة. وأوضح أن طريقة إثبات الشرع للنسب تختلف عن نظرته لإقامة حد الزنا، ففي الأولى يتم إثباتها بأدنى دليل، أما في الحالة الثانية فيسقط الحد بوجود أي شبهة.
واتفق الدكتور محمد رأفت عثمان عضو المجمع البحوث الإسلامية أيضا على ضرورة الأخذ بتحليل البصمة الوراثية لإثبات ولد الزنا لأبيه، إلا أنه يفرق بين حالة المرأة المتزوجة التي زنت، والمرأة غير المتزوجة. وقال: إنه يجوز أن ينسب ولد الزنا من المرأة غير المتزوجة إلى الزاني، حيث قال بذلك مجموعة من كبار الفقهاء منهم ابن تيمية وابن القيم، أما إذا كان ولد الزنا من امرأة متزوجة فلا يجوز بإجماع العلماء أن يدعيه الزاني، ويطالب بإلحاق نسبه به للقاعدة التي بينها رسول الله r ، وهي قوله الشريف: {الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ}
من جهة ثانية رحب فقهاء وعلماء شرعيون بفتوى الدكتور علي جمعة مفتي مصر بأنه لا مانع من الاستعانة بتحليل البصمة الوراثية الـDNA لإثبات نسب الابن داخل إطار الزوجية، غير أنهم اختلفوا بخصوص اللجوء إلى تحليل البصمة الوراثية في إثبات نسب ابن الزنا بين مؤيد للفتوى الرافضة لذلك وغير مؤيد لها.
وجاءت فتوى الدكتور علي جمعة بناءً على عدد من الطلبات الواردة من البرلمان المصري، والخاصة بتعديل وإضافة عدد من المواد إلى قانون الأسرة، والتي تفيد في مجملها بضرورة إلزام الزوج بإجراء تحليل البصمة الوراثية "(DNA)" في حالة إنكاره نسب الابن، وذلك بناءً على طلب من الأم المدعية، وفي حالة رفضه الخضوع للتحليل يعتبر ذلك قرينة على ثبوت نسب الابن له.
ونصت الفتوى على أنه «لا مانع شرعاً من إلزام المنكر سواء أكان الرجل أم المرأة أم طرفا آخر كالولي مثلا بإجراء تحليل"(DNA)" عندما يدعي أحدهما أو كلاهما قيام علاقة زوجية بينهما في ذاتها بشهود أو توثيق أو نحوهما، وكذلك الحال في حدوث وطء بشبهة أو عقد فاسد بينهما؛ وهذا لإثبات نسب طفل يدعي أحدهما أو كلاهما أنه ولد منهما، وفي حالة رفض المدعي عليه إجراء التحليل المذكور يعد الرفض قرينة قوية على ثبوت نسب هذا الطفل له، وإن لم نلتفت إلى بقاء الزوجية ذاتها والآثار المترتبة عليها فإن إثبات النسب لا يعني استمرار قيام الزوجية».
وما هي الحالات التي تستخدم فيها البصمة لنفس النسب؟ وهل يمكن الاستغناء بالبصمة عن اللعان؟ وهل يجوز الاعتماد على البصمة الوراثية في نفي النسب؟ أو في التأكيد من صحة النسب؟
14 ألف طفل بلا نسب!
على صعيد آخر، تستعد العديد من منظمات الأسرة والمرأة في مصر للاستفادة من هذا الحكم القضائي الأول من نوعه في إثبات نسب أكثر من 14 ألف طفل مصري على أقل تقدير كشفت إحصائية حكومية مصرية صادرة أواخر 2005 عن أنهم بلا اسم ولا هوية أو نسب ولا ثبوت قانوني أو رسمي، بعدما رفض آباؤهم الاعتراف بهم، وأن أغلبهم جاءوا نتاج زواج عرفي أو غير رسمي ينكره الأب دائما. وكشفت هذه الإحصائية عن أن أغلبية هذه الزيجات التي تثمر أطفالا غير معترف بهم وبلا هوية هي نتاج زواج المصريات الفقيرات صغيرات السن من أثرياء عرب أغلبهم من دول الخليج. وأوضحت المنظمات النسائية أن هؤلاء الأطفال ليس لهم وجود رسمي فلا يمكن استخراج شهادات ميلاد لهم؛ وهو ما يعني عدم قدرة أمهاتهم على إعطائهم التطعيمات ضد الأمراض، أو الحصول على الرعاية الصحية المناسبة خاصة مع ظروف الأمهات اللاتي في الغالب لن يستطعن الإنفاق على الطفل في المستشفيات الخاصة، أو أي شكل من أشكال الرعاية التي تحتاج إلى أوراق رسمية. وشهدت الجلسة واقعة لافتة، قبل أن يصدر قاضي المحكمة المستشار أحمد رجائي دسوقي حكمه بإثبات النسب الطفلة «لينا»، حيث ألقى قصيدة لنزار قباني ترفض فيها فتاة أن تقوم بعملية إجهاض.
وألقى قاضي المحكمة قصيدة من ديوان «طفولة نهد» للشاعر السوري الراحل نزار قباني تقول: «ليراتك الخمسون تضحكني.. لمن النقود.. لمن يجهضني.. لتخيط لي كفني.. هذا إذاً ثمني.. ثمن الوفا يا بؤرة العفن.. أنا سأسقط ذلك الحمل.. فأنا لا أريد أبا نذلا».
الجينوم البشري
A graphical representation of the normal human karyotype. الجينوم البشري هو جينوم الإنسان, هو الطقم الكامل المكوّن من أكثر من 100.000 جين موجودة في نواة الخلية لأغلب الخلايا البشرية. ويتوزع الجينوم النووي للأنثى على ثلاثة وعشرين زوجاً من الكروموسومات المتشابهة بنيويا، لكن الكروموسوم X في الذكور يقترن مع الكروموسوم Y غير الشبيه به، وبذلك يصبح هناك 24 نوعا مختلفاً من الكروموسومات البشرية. وبكلمات أخرى، يمكننا القول بأن الجينوم هو كامل الحمض الريبي النووي منزوع الأكسجين (أو الدنا DNA اختصاراً) في كائن حي معين، بما فيه جيناته genes. وتحمل تلك الجينات (المورثات) جميع البروتينات اللازمة لجميع الكائنات الحية. وتحدد هذه البروتينات، ضمن أشياء أخرى، كيف يبدو شكل الكائن الحي، وكيف يستقلب metabolize جسمه الطعام أو يقاوم العدوى، وأحياناً يحدد حتى الطريقة التي يتصرف بها. تركيب الدنا
يتكون جزيء الدنا DNA في البشر والرئيسيات، من خيطين يلتف كل منهما حول الآخر بحيث يشبهان السلم الملتوي والذي يتصل جانباه، والمكونان من جزيئات السكر والفوسفات، بواسطة روافد rungs من المواد الكيميائية المحتوية على النتروجين، والتي تسمى القواعد bases ويرمز إليها اختصاراً A و T و C و G. وتتكرر هذه القواعد ملايين أو مليارات المرات في جميع أجزاء الجينوم، ويحتوي الجينوم البشري، على سبيل المثال، على ثلاثة مليارات زوج من هذه القواعد، في حين يحتوي الجسم البشري على نحو 100 تريليون (100،000،000،000،000،000،000) خلية! - يعد الترتيب المحدد للحروف A و T و C و G في غاية الأهمية، فهذا الترتيب يحدد جميع أوجه التنوع الحيوي، ففي هذا الترتيب تكمن الشفرة الوراثية Genetic code ، فكما أن ترتيب الحروف التي تتكون منها الكلمات هو الذي يجعلها ذات معنى، فإن ترتيب هذه الحروف يحدد كون هذا الكائن الحي إنساناً أو ينتمي إلى نوع حي آخر كالخميرة أو ذبابة الفاكهة مثلاً، والتي يمتلك كل منها الجينوم الخاص بها والتي ركزت عليها أبحاث وراثية خاصة عدة.
ونظراً لأن جميع الكائنات الحية ترتبط بعلاقات مشتركة من خلال التشابه في بعض متواليات الدنا DNA ، تمكننا التبصّرات التي نحصل عليها من الكائنات الحية غير البشرية من تحقيق المزيد من الفهم والمعرفة لبيولوجية الإنسان.
- تمثل كل مجموعة مكونة من ثلاثة من الحروف الأربعة حمضاً أمينياً معيناً، وهناك 20 وحدة بناء مختلفة - أحماض أمينية - تستخدم في مجموعة هائلة من التوليفات لإنتاج بروتيناتنا. وتكون التوليفات المختلفة بروتينات مختلفة بدورها في أجسامنا.
- تكفي المعلومات التي يحتوي عليها الجينوم البشري لملء كتب ورقية يبلغ ارتفاعها 61 متراً، أي ما يوازي المعلومات التي يحتوي عليها 200 دليل للهواتف يحتوي كل منها على 500 صفحة!
- فيما بيننا نحن البشر، يختلف الدنا DNA من فرد لآخر بنسبة 5.2% فقط، أو 1 من كل 50 حرفاً، ويضع ذلك في الاعتبار أن الخلايا البشرية تحتوي كل منها على نسختين من الجينوم.
- إذا أردنا أن نقرأ الجينوم البشري بسرعة حرف واحد في الثانية لمدة 24 ساعة يومياً، فسيستغرق الأمر قرناً كاملاً للانتهاء من قراءة كتاب الحياة!
- إذا بدأ شخصان مختلفان في قراءة كتاب الحياة الخاص بكل منهما بسرعة حرف واحد في الثانية، فسيستغرق الأمر نحو ثماني دقائق ونصف الدقيقة (500 ثانية) قبل أن يصلا إلى أول اختلاف في ترتيب حروف كتابيهما!
- يحتاج الطبّاع typist الذي يكتب بسرعة 60 كلمة في الدقيقة (نحو 360 حرفاً) ولمدة ثماني ساعات يومياً، إلى نصف قرن للانتهاء من طباعة كتاب الحياة!
- يتشابه الدنا DNA الخاص بالبشر مع مثيله في الشمبانزي بنسبة 98%.
- يبلغ العدد التقديري للجينات في كل من البشر والفئران 60.000 - 100.000 أما في الديدان المستديرة فيبلغ العدد 19.000 وفي الخميرة yeast يبلغ عدد الجينات 6.000 تقريباً، بينما يبلغ عدد جينات الجرثومة المسببة للتدرن 4.000.
- تظل وظيفة الغالبية العظمى (97%) من الدنا DNA الموجودة في الجينوم البشري، غير معروفة لدينا حتى الآن.
- كان أول كروموسوم chromosome بشري تم فك شفرته بالكامل هو الكروموسوم رقم 22، وقد تم ذلك في المملكة المتحدة في ديسمبر 1999، وتحديداً في مركز (سانجر) بمقاطعة كمبردج.
- يبلغ طول الدنا DNA الموجود في كل من خلايانا 1.8 متر، مكدسة في كتلة يبلغ قطرها 0.0001 سنتيمتر (والتي يمكن أن توضع بسهولة في مساحة بحجم رأس الدبوس).
- إذا تم فرد جميع الدنا DNA الموجود في الجسم البشري طرفا لطرف، يمكن للخيط الناتج أن يصل من الأرض إلى الشمس وبالعكس 600 مرة [100 تريليون ×1.8 متر مقسومة على 148.800.000 كيلومتر = 1200].
- يقوم الباحثون في مشروع الجينوم البشري بفك شفرة 12.000 حرف من الدنا DNA البشري في الثانية الواحدة.
- إذا تم فرد جميع الحروف (3 بلايين) المكونة للجينوم البشري بحيث يكون كل منها على بعد 1 ملم من الآخر، فستمتد لمسافة 3000 كيلومتر - أو نحو 700 ضعف لارتفاع مبنى الإمباير ستيت، وهي ناطحة السحاب الشهيرة في مدينة نيويورك.
ظلت وزارة الطاقة الأمريكية ( DOE) والهيئات الحكومية التابعة لها مسئولة، ولمدة تقارب الخمسين سنة، عن البحث بعمق في الأخطار المحتملة على صحة الإنسان نتيجة لاستخدام الطاقة ونتيجة للتقنيات المولدة للطاقة - مع التركيز بصورة خاصة على تأثير الإشعاع الذري على البشر، لذلك فمن الإنصاف أن نعلم بأن أغلب ما نعرفه حالياً عن التأثيرات الصحية الضارة للإشعاع على أجسام البشر، نتج عن الأبحاث التي دعمتها هذه الوكالات الحكومية - ومن بينها الدراسات طويلة المدى التي أجريت على الناجين من القنبلتين الذريتين اللتين ألقيتا على مدينتي هيروشيما ونجاساكي، بالإضافة إلى العديد من الدراسات التجريبية التي أجريت على الحيوانات. حتى وقت قريب، لم يقدم العلم سوى أمل ضئيل في اكتشاف تلك التغيرات الطفيفة التي تحدث في الحمض النووي (الدنا DNA) الذي يشفر برنامجنا الوراثي، كنا بحاجة إلى أداة تكتشف التغيرات الحادثة في (كلمة) واحدة من البرنامج، والذي ربما يحتوي على مائة مليون (كلمة).
في عام 1984، وفي اجتماع مشترك بين وزارة الطاقة الأمريكية واللجنة الدولية للوقاية من المطفرات ( Mutagens) والمسرطنات ( Carcinogens) البيئية، طرح لأول مرة بصورة جدية ذلك السؤال: (هل يمكننا، أو هل يجب علينا، أن نقوم بسلسلة ( Sequence) الجينوم البشري ?: وبكلمات أخرى: هل علينا تطوير تقنية تمكننا من الحصول على نسخة دقيقة (كلمة بكلمة) للمخطوطة الوراثية الكاملة لإنسان (عادي). وبهذا نتوصل إلى مفتاح اكتشاف التأثيرات المطفرة Mutagenic الخادعة للإشعاع وللسموم المسببة للسرطان. The human genome is composed of 23 pairs of chromosomes (46 in total), each of which contain hundreds of genes separated by intergenic regions. Intergenic regions may contain regulatory sequences and non-coding DNA.
الجينوم .. مستودع أسرار البشرية
يتناول المؤلف في هذا الكتاب وهو أستاذ علم الحيوان في جامعة أكسفورد الخلية الوراثية أو الجينوم، ويستعرض في كل فصل جينا واحدا أو أكثر من الجينات الموزعة على أحد أزواج الكروموسومات الإثنين والعشرين الموجودة في نواة كل خلية.
وتؤكد الدراسات العلمية أن الجسم البشري يحوي قرابة مائة تريليون خلية, وفي نواة كل خلية توجد مجموعتان كاملتان من الجينوم البشري، ولا تشمل هذه القاعدة خلايا التكاثر (أي الحيوانات المنوية في الذكور والبويضات في النساء) ولا كريات الدم الحمراء، ففي خلايا التكاثر توجد مجموعة واحدة من الجينوم، وذلك لاستقبال المكمل لها من خلية التكاثر الأخرى، أما الكريات الحمراء فلا تحوي أي مجموعة جينية.
وتكون مجموعات الجينوم الكروموسوم، ويقول العلماء أن كل كروموسوم يتشكل من ستين إلى ثمانين ألف جين.
ولا ينظر المؤلف في كتابه للجين باعتباره مادة صماء ولكنه يتعامل معه باعتباره كتابا يحكي آلاف القصص الحية، ويشبه الإكسونات التي يتألف منها الجين الواحد بالفقرات المكونة للقصة، وتتكون الفقرة من كلمات تسمى في علم الجينات كودونات، أما الكودونات فتتألف من مجموعة حروف تسمى القواعد.
ويذهب المؤلف إلى أبعد من ذلك في التشبيه فيشير إلى أن كلمات القصص الجينية تتكون من أربعة حروف هي الأدنين والسيتوزين والجوانين والثيمين، وهي عبارة عن سلاسل طويلة من السكر والفوسفات تسمى جزيئات DNA.
ويوجد في كل كتاب مليار كلمة تجعله بحجم الإنجيل 800 مرة، وفكرة أن الجينوم كتاب ليست استعارة مجازية بل هي حقيقية بالمعنى الحرفي للكلمة، فالجينوم والكتاب معلومات رقمية تتحدد حسب شفرة تحول رموز الأبجديات الصغيرة إلى قاموس كبير من المعاني. ويمضي الكاتب في وصف الوسائل التي ينسخ بها الجين نفسه، وكيف يؤلف كتبا جديدة مع الزمن، يكون بعضها مغايرا لقواعد النسخ المتبعة في ذلك الكتاب، وهو ما يعرف بالطفرة، ومعظم تلك الطفرات تكون تغيرا عميقا لكنه لا يضر ولا ينفع وإنما يغير في الموروث الجيني فقط.
والجينات تروي قصة الحياة على الأرض، وحسب الكتاب فإن الكلمة الجينية هي أول ما وجد على الأرض وأخذت تنسخ نفسها للأبد بلا انقطاع وحولت سطح الأرض إلى جنة خضراء، والحياة عملية خلق واحدة فقط.
والجينات هي السلالة المباشرة لأول جزيئات ناسخة، وهي من خلال سلسلة لا تنقطع من عشرات البلايين من النسخ قد وصلت لنا وهي ما زالت تحمل رسالة رقمية فيها آثار من أقدم تلك الصراعات في الحياة، والجينوم البشري يستطيع أن يخبرنا بأشياء كثيرة فهو سجل لتاريخنا مكتوب على مدى الحقب والقرون.
لكن العلم لا يملك حتى الآن إلا تلميحات مبهمة عن الطريقة التي يتولد بها النمو والشكل بواسطة الجينات، ويبدو أن نسبة قليلة من الجينات (حوالي 2% منها) هي التي تحدد النوع والصفات الوراثية والسلوكية أيضا, ولكن العلم لا يعرف حتى الآن كيف يتم ذلك. تكرار النسخ يحدد المصير
يكرر الجين نفسه مرات عدة، ويحدد عدد هذه التكرارات السن التي يبدأ فيها الإنسان بفقدان توازنه وعجزه عن رعاية نفسه، فإذا تكررت الكودونات خمسا وثلاثين مرة سيصاب الإنسان بخرف الشيخوخة في منتصف العمر أو بعد السبعين أو بعد ذلك, حسب عدد المرات التي نسخ فيها الجين نفسه أثناء عملية التكون.
وحتى بعض الأمراض ترد كامنة إلى البشر مع الجينات، فعلى سبيل المثال تأوي في الكروموسوم الخامس جينات عدة مرشحة لتكون المسؤولة عن مرض الربو، وهو مرض ليس وراثيا، وعلى كروموسومات أخرى تأوي جينات يعتقد أنها مسؤولة عن الربو أيضا حين تشهد عملية نسخها طفرة، وقد تكون جينات أخرى مسؤولة عن تشكيل الاستعداد للمرض. ولكن العلم ينمو إلى اللا قطعية، فكلما ازددنا معرفة بالجينوم ازداد الغموض.
الذكاء
فالجينات بحد ذاتها سوية وليست مسؤولة عن المرض ولكنها في تشكلها وتفاعلها قد تؤدي إلى المرض، ولكن الوراثة في الأمراض والصفات تبدو حقيقية وهذا ينطبق على الذكاء، وثمة مؤشرات كثيرة تؤيد فرضية أن بعض الجينات مسؤولة عن الذكاء، ولعل أدمغة البشر وهي يمر فيها التراث الثقافي عبر الحقب اختزنت المهارات التي تعلمتها وباتت تتوارثها، فالبيئة التي يمارسها الأطفال تكونها الجينات والعوامل الخارجية معا، إذ يتعرف الطفل على بيئته كما أنه يساهم في تشكيلها، وعلى أية حال فالجدال في هذا الموضوع ماض ولم يتوقف.
صراع الجينات
الجسم ضحية أو مجال لمعركة وهو أيضا وسيلة نقل طموحات الجينات، وهذه آخر مقولة لعلماء البيولوجيا, وهي تنسف مقولة أن الجينات عبارة عن وصفات تنتظر في سلبية استنساخها حسب هوى الاحتياجات الجماعية للكائن.
فالجينات يتصارع أحدها مع الآخر، وفكرة أن يكون الجينوم ميدانا لمعركة من نوع بين الجينات الوالدية والجينات الطفولية أو بين جينات الذكور وجينات الإناث, كل هذا قصة قلما يوجد من يعرفها خارج مجموعة صغيرة من البيولوجيين التطوريين, إلا أنها هزت بعمق الأسس الفلسفية للبيولوجيا.
فعلى سبيل المثال كل جينوم هو أكثر تعقيدا بكثير مما يلزم، وبعضها يحوي جينات حقيقية من نوع مختلف تماما ويتضمن امتدادات كثيرة تبدو بلا معنى، وكأنه كتاب يكتب نفسه ثم يضيف ويحذف ويعدل باستمرار على مدى الحقب، وتسلك الجينات وكأن لها هدفا أنانيا ليس على نحو واع وإنما ارتجاعي: الجينات التي تتبنى هذا السلوك تزدهر والجينات التي لا تفعل ذلك لا تزدهر. وهذا يفيد كثيرا فيما أصبح يعرف اليوم على نحو واسع بمصطلح "البصمة الوراثية" . لقد حدث للبيولوجيا في سبعينيات القرن العشرين ما حدث للفيزياء من قبل بـ50 سنة وهو انهيار اليقين والاستقرار والحتمية ليقوم مكانه عالم من التقلب والتغير وعدم القابلية للتنبؤ. إن الجينوم الذي نفك شيفرته في هذا الجيل ليس سوى لقطة واحدة لوثيقة تتغير أبدا، فليس هناك وجود لطبعة نهائية من كتاب الجينوم.
الجين يحدد معالم الشخصية
كل إنسان يتفرد بشخصية وصفات محددة، فهناك شخص لا مبال، وآخر عصبي المزاج أو قلق، وهناك من يلتمس المخاطر، وهناك الصامت والثرثار، ويعتقد العلماء أن على الكروموسوم الحادي عشر جين يعمل في الدماغ ويؤثر على الإشارات الكيميائية والكهربائية المختلفة مما يدفع الدماغ للبحث في الخيارات والحوارات واختيار أحدها، ولكن هذا لا يفسر سوى 4% من السلوك, فهناك عناصر أخرى كثيرة في تحديد الشخصية لا تقل عن اثني عشر, وهذا يعني أنه يوجد أكثر من خمسمائة جين تتنوع في تناغم مع الشخصيات البشرية، وهذا ينفي الحتمية الوراثية والجينية في السلوك والشخصية التي تتكون من مزيج غامض ومعقد من تلك الجينات.
ربما كنا نحن البشر محددين تحديدا مدهشا حسب أوامر جيناتنا, ولكننا نتحدد أكثر بما نتعلمه في حياتنا، فالجينوم يعالج المعلومات ويستخلص معلومات مفيدة بالانتخاب الطبيعي ويجسد هذه المعلومات في تصميمه. والتعلم يختلف عن الذاكرة، فالغريزة سلوك يتحدث وراثيا، أما التعلم فسلوك تعدله الخبرة.
تحسين النسل
تقدم الكثير من السجلات التاريخية لتحسين النسل هذا العلم كمثل لمخاطر ترك العلم وبخاصة الوراثيات من غير سيطرة, إلا أن فيه مثلا أكبر كثيرا لخطر أن تترك الحكومات من غير سيطرة.
والحل في مقولة توماس جيفرسون: لا أعرف مستودعا آمنا للسلطات المطلقة للمجتمع غير الناس أنفسهم, وإذا كنا نظن أن الناس ليسوا متنورين بما يكفي لممارسة هذه السيطرة بتعقل كامل فإن العلاج لا يكون بأن نسلب منهم هذه السيطرة وإنما يكون العلاج بأن يتعلموا التعقل.
ربما يكون أوضح ما يوصلنا الكتاب إليه هو معرفة مدى جهلنا بأنفسنا وتفسير ما يحدث لنا من مرض وموت ونمو وسلوك ومواقف وتفكير وخيارات، وكأننا نتعلم ونقرأ ونبحث لنعرف جهلنا وليس لنعلم، أو كأن العلم هو معرفة الجهل.
راهب مغمور فتح الطريق
يعد الراهب مندل (الذي ولد عام 1822) واختار الرهبنة كارها مؤسسا رائدا لعلم الوراثة، فقد اكتشف بعد سلسلة طويلة ومعقدة على نباتات البازلاء أن الخصائص لا تمتزج، بل هناك شيء صلب لا يقبل الانقسام، شيء كمي دقيق في قلب التوارث، فليس هناك مزج للدماء والسوائل ولكنها كريات صغيرة كثيرة ترتبط مع بعضها ارتباطا مؤقتا، وهذا يفسر الصفات السائدة والمتنحية، وكيف يكون لإحدى الأسر طفل بعينين زرقاوين وآخر بعينين بنيتين.
لكن مندل الذي زج به في سلك الرهبنة مرغما مات مغمورا دون أن ينتبه أحد لاكتشافه إلا بعد وفاته، وهو ما حدث للدكتور جارود أيضا الذي اقترب من فهم الجينات ولكن هذا لم يتأكد إلا بعد وفاته بعشر سنوات عندما عرفت الشفرة الوراثية.