رصد الكاتب محمد حسنين هيكل، فى كتابه «أكتوبر 73 السلاح والسياسة) تفاصيل دقيقة لمجريات الأحداث التى أفضت إلى حرب 6 أكتوبر 1973. بدأ هيكل من مقدماتها المبكرة، مروراً بتفاصيل مهمة رصدها دقيقة بدقيقة لما دار فى القاعات المغلقة بين مصر وإسرائيل وأمريكا، وهى تفاصيل تبهر القارئ الذى سيقف عليها ربما للمرة الأولى، وصولا لتداعيات ما بعد الحرب على الجبهات الثلاث المصرية والإسرائيلية والأمريكية ومما يثير اهتمام القارىء مثلا أن إسرائيل كانت تتوقع أن يقوم السادات بضربة مباغتة وظل احتمال وقوعها متراوحا بين الشك واليقين. وسيدهش القارئ أيضا لحجم التفاصيل الدقيقة لما وقع فى الساعات الـ7 المصيرية والحاسمة التى سبقت ساعة الصفر، وهى تفاصيل مثيرة تخص الجانبين المصرى والإسرائيلى، وفى الفصل الثالث من كتاب هيكل والذى يحمل عنوان «معجزة البشر» والفصل الثانى الذى يحمل عنوان «المفاجأة الكاملة» نقف على بعض من هذه التفاصيل التى بدأت قبل بدء الحرب بسبع ساعات، حيث قال هيكل إن الرئيس السادات استيقظ من نومه صبيحة يوم 6 أكتوبر فى السابعة والربع وكان أول مافعله أن مد يده إلى سماعة التليفون واتصل بالعقيد، عبدالرؤوف رضا، مدير مكتبه للشؤون العسكرية فى ذلك الوقت، وكان انتقل فعلا ومعه مجموعة من ضباط أركان الحرب إلى مقرمؤقت يحتل 3 غرف فى بدروم قصر الطاهرة وكان «السادات» مشغولاً بالسؤال نفسه الذى نام به قبل ساعات: هل عرف العدو؟ وجاءه الجواب بأن العدو عرف وهذا ظاهر من رد فعله على الجبهة وكان هناك تقرير مختصر جاهز، أعد للرئيس حالما يستيقظ ووصل التقرير فى أقل من دقيقة إلى غرفة نوم السادات وورد فى التقرير: «رسالة معلومات عاجلة» مكتب الشؤون العسكرية تقارير وبلاغات المخابرات الحربية والاستطلاع «سرى للغاية» ظهرت ردود فعل للعدو بصورة واضحة حيث نشط استطلاعه واستدعى الاحتياط ورصدت بعض مظاهر التعبئة العامة –هذا مع تدعيم الجبهة المصرية والسورية والأردنية بالقوات ووسائل الدفاع الجوى والقوات الجوية، ومن المنتظر أن يتم العدو استدعاء احتياطيه واستكمال التعبئة العامة مع يوم 7 أكتوبر. قرأ «السادات» التقرير ثم أعاد قراءته وتناول قلماً ووضع خطاً تحت الفقره الثانية من التعليق تحت جملة «وتعتبر القوات الجوية الإسرائيلية حاليا جاهزة ومستعدة لتنفيذ مهام العمليات». وهكذا «عرف» السادات أن إسرائيل «عرفت» وكان واضحا بالنسبة له أنه حقق سبقا على الأرض لكن الخطر الأكبر خلال الساعات المقبلة وحتى ساعة الصفر وهو الخطر الذى يمكن أن ينقض من الجو على شكل محاولة ضربة إجهاض يقوم بها سلاح الطيران الإسرائيلى. وكان هذا الهاجس بمثابة هم ثقيل على فكره وأعصابه، ولم يكن يعرف أن هذا الاحتمال قد استبعد وأن هذه الضربة الوقائية لن تقع لأن مجرى الحوادث – فى هذه الساعات ـ كان يتخذ مسارا آخر فى تل أبيب وواشنطن. وفى فجر السادس من أكتوبر 1973كانت جولدا مائير ووزراؤها فى حالة صدمة حقيقية بدأت حينما اتصل الجنرال «شاليف» فى الساعه الثالثة صباحا بوزير الدفاع الجنرال «موشى دايان» بواسطة تليفون مؤمن موضوع جوار سرير وأيقظه من نومه ليقول له بصوت مثقل بالهموم «الآن تلقينا تأكيدا نهائيا بأن هناك هجوما مصريا سوريا على الجبهتين الجنوبية والشمالية – واقع مؤكد فى ظرف ساعات ومصدرنا يقول إن ساعة الصفر هى آخر ضوء مساء اليوم». وبعد دقائق كان كل صناع القرار «السياسى العسكرى» فى إسرائيل أمام أثقل مهمة واجهها أى منهم فى حياته: ما العمل.. كانت التحركات العسكرية المصرية ظاهرة أمامهم ومرصودة طوال الأيام السابقة، لكنهم لم يستطيعوا تفسيرها وتحليلها على نحو كاف. وأكثر ما أصاب صناع القرار الإسرائيلى فجر 6 أكتوبر هو أنهم أفاقوا من يقين «وهمى» كانوا قد استسلموا له بالكامل طيلة 3 سنوات سابقة، مؤداه أن العرب لن يحاربوا، وكانت واشنطن – فى الفترة نفسها - واقعة فى يقين «وهمى» مماثل.. فمع يوليو 1973 كان «هنرى كيسنجر»، حقق حلم حياته وأصبح أول يهودى يتولى وزارة الخارجية الأمريكية، أصبح أقوى رجل فى أمريكا حينما أزاح «ويليام روجرز» عن وزارة الخارجية واحتل مقعده فيها، وظل مسيطرا على مجلس الأمن القومى فى البيت الأبيض، فقد ترك هناك مساعده «برنت سكوكروفت» مسؤولا عن تيسير العمل اليومى هناك وبدأ هو يفكر جديا فى تناول أزمة الشرق الأوسط على مهل. وكان تصوره أن يبدأ باستكشاف الطريق نحو تسوية جزئية لأزمة الشرق الأوسط، وفيما بين الساعة الثامنة العاشرة إلا الربع من صباح يوم السبت 6 أكتوبر كان السادات فى قصر الطاهرة وليس فى رأسه إلا سؤال واحد هو: هل توجه إسرائيل ضربة إجهاض بالطيران ضد الجبهة المصرية قبل الموعد المقرر لبدء الهجوم بقصد تشتيت وبعثرة صفوفه. وفى الثالثة من فجر يوم 6 أكتوبر كان مدير المخابرات العسكرية الإسرائيلية زاييرا يتلقى من مصدره السرى رسالة تفيد بأن الحرب فى ظرف ساعات وأن هجوماً مصرياً ـ سورياً تقرر مع آخر ضوء يوم 6 أكتوبر. واتصل الجنرال «شاليف»، مدير التقريرات العسكرية ومساعد زاييراعلى الفور بكل من وزير الدفاع ورئيس الأركان ديفيد أليعازر ورئيسة الوزراء جولدا مائير، وأخطرهم جميعا بالرسالة التى وصلته من مصدره السرى الموثوق. واجتمعت هيئة أركان الحرب، وكان رأى الجنرال «زاييرا» مدير المخابرات مازال يتجه إلى أن احتمال وقوع الحرب فعلا لايزال ضعيفا. واجتمع «ديان» بهيئة أركان الحرب ووقع تباين آخر فى الآراء بين وزير الدفاع ورئيس الأركان فقد عاد الجنرال «أليعازر» يلح على إعلان حالة التعبئة العامة القصوى باستدعاء 200 ألف من جنود الاحتياط فى أول دفعة كما اقترح أيضا عدم الانتظار وتوجيه ضربة جوية وقائية ضد مصر وسوريا أو على الأقل ضد سوريا أولا وخالفه ديان الذى أصر على الاكتفاء بتعبئة جزئية، كما استبعد تماما فكرة الضربة الوقائية وتم عرض الأمر على رئيسة الوزراء، فى الاجتماع الذى عقد فى الثامنة مساء. وفى الاجتماع عرض كل منهما رأيه، وكان تعليق «جولدا» «يا إلهى هل يعنى هذا أنه على أن أقرر أيكما على صواب؟ وأيكما على خطأ، وتوصلت أخيراً وبقية الوزراء إلى حل وسط ووافقت على توصية ضرورة إعلان حالة التعبئة العامة ودعوة الاحتياطى، ووافقت وزير الدفاع على رفض القيام بضربة وقائية جوية. ووصل السادات إلى المركز رقم 10 مقر القيادة الرئيسى للعمليات، وتوجه فور وصوله ومعه الفريق أحمد إسماعيل إلى مكتب القائد العام وهناك قضى بضع دقائق ألقى فيها نظرة على خرائط التخطيط، ودخل «السادات» قاعة العمليات فى الواحدة والنصف وكانت القاعدة شحنة من الأعصاب امتزج فيها الأمل والقلق وأحس كل من فيها من القادة والضباط وعددهم يزيد على 100 بأنهم يعيشون لحظة حاسمة فى تاريخ وطنهم وأن أقدارا كبيرة ستكون معلقة بما يجرى فى هذه القاعة. وفى الثانية وعشرة دقائق كانت فوهات 2000 مدفع من مختلف العيارات والطرز تضرب بكل قوتها وراء خطوط العدو لقطع عمقه. وفى تلك اللحظة كانت الصاعقة نجحت فى تعطيل عمل مواسير اللهب، وفى الثالثة كانت القوات المصرية تمكنت من العبور إلى الضفة الشرقية من خلال 800 ضابط و13500 جندى. وفى الخامسة والنصف، كان هذا الحجم وصل إلى 2000 ضابط و30000 جندى. وفى الساعة 6.30 مساء كانت عملية فتح الثغرات فى الساتر الترابى حققت جزء كبيراً من مهامها وبدأ تركيب كبارى العبور وصارت الدبابات على أول كوبرى تم تركيبه وفى العاشرة مساء كانت قوات المهندسين تمكنت من فتح 60 ثغرة فى الساتر الترابى وعندما حل الليل كانت هناك 5 فرق كاملة من المشاة والمدرعات، على الضفة الشرقية للقناة وكانت معظم مواقع خط بارليف الحصينة حوصرت ونصفها تم اقتحامه. |
------------------------------------------ Best Wishes: Dr.Ehab Aboueladab, Tel:01007834123 Email:ehab10f@gmail.com,ehababoueladab@yahoo.com ------------------------------------------
No comments:
Post a Comment